في قصر الشطرنج
“Fi Qasr Al-Shatranj” a short story by Osama Salti, Damascus 2004
نشرت في موقع سيريا نيوز بتاريخ 13.12.2009
في قصر الشطرنج
على مربعات بيضاء وسوداء في زاوية رقعة شطرنج، تتعالى أصوات مجموعة من البيادق البيض، يشكلون بمجلسهم ونقاشهم دائرة من المربعات، يترأسهم في مركز الدائرة بيدق يتميز عنهم بالحماس والجرأة في الكلام .
يتجادلون بجلبة وفوضى، بعضهم كان سعيداً وآخرون ترامى الغضب على جباههم.
في قمة الضجيج هذه، يعلو صوت من مركز الدائرة فيطغى على الفوضى، ويعم النظام بثقته، ويصمت الجميع منصتاً.
ـ أيها الزملاء ! معظمكم يعلم أسباب اجتماعنا هذا.
وإنه لمن الضروري أن أكرر سرد المشكلة، لترسو الأسباب في ذهنكم وتستعد أفكار الحلول بالانطلاق.
في كل معركة يسقط من إخوانكم الكثير، وفي معظم الأحيان لا يبق من يحتفل بالنصر في آخر المعركة أو حتى يحزن
في حال الهزيمة.
لأننا أول من يقتل في المعركة وأول من تطأ قدمه الميدان، ونحن أول من يشعل الفتيل.
نحن جنود الصف الأول، دائماً في وجه أعدائنا… ولم كل هذا؟ ألسنا حجارة كما باقي حجارة اللعب؟ ألا يحق لنا
أن نكون مكان الفارس على الحصان، نقفز ونركب الريح فوق رؤوس المقاتلين؟ أم نصمد كصمود القلعة؟ أم أن
الفيل المستشار على رأسه ريشة؟! وهل يحق لنا أن نحل مكان الوزير؟
وترتفع الأصوات مجدداً، ويحاول البيدق في المنتصف إرضاء كل من يتكلم ويسأل، حتى عادت الفوضى وساد التوتر. وبارتفاع أصوات المجموعة تدريجياً، تسللت تللك الجلبة إلى آذان الملك الأبيض، فأمر مستشاره بتحري الأمر. فعاد المستشار يدق في رأس الملك كل كلمة سمعها عن بعد. فاستشاط الملك غاضباً ومتسائلاً إن كان هؤلاء يخططون لإنقلاب أو لإطاحة وزيره ورجال بلاطه.
وأمر الملك أن تمثل تلك العصابة بين يديه، ونودي عليهم في التو والحال.
وبخطا واثقة تقدم زعيمهم على الرقعة أمام رقعة الملك.
ـ علام كل هذه البلبلة؟ ولم تجمعكم هذا؟ قال الملك.
ـ مولاي، اعذرنا إن كنا سبباً في عدم راحتك اليوم، فنحن كما تعرف مجرد بيادق صغيرة، ودورنا بسيط في المعركة،
ويقتل منا الكثير، وإن قوانا ضعيفة لا تتجاوز طولنا…..
ـ وماذا تريدون؟ قاطعه الملك
ـ مولاي، قد حددنا في اجتماعنا بعض النقاط ودوافع ثورتنا المتواضعة هذه. إننا نطالب فوراً بتحقيق بعض العدل
والرحمة في مواقعنا خلال المعركة بالنسبة لمواقع باقي الحجارة. وإنا قد التمسنا عدم العدل والحرية وقلة الرحمة في
قصرك يا مولاي.
ـ كيف هذا؟
ـ مولاي، كل يوم يسقط كثير من زملائي، حتى حين ننحني لحضراتكم فإن رؤوسنا اللامعة تلامس الأرض.
لا يمكننا الإنحناء يا مولاي، فمن ينحني احتراما يسقط، ومن يسقط لا يعود للوقوف، فأين هي تللك العدالة؟
ـ أي عدالة تقصد؟ ما علاقة الانحناء بالعدالة؟
ـ قصدي يا مولاي، أننا جنود الصف الأول نموت دونك ودون رجال البلاط، نموت ونسقط، لتبقوا أنتم واقفين.
نحن نموت بدلاً عن موت الحصان وعوضاً عن موت الفيل، وحفاظاً على حياتك وحياة الوزير، ورغم هذا لا
ينحني لنا أحد احتراماً ووفاءً وشكراً لتضحياتنا.
أوهكذا تكون العدالة؟
ـ ليس بمقدوري فعل شيء تلك هي سنة حياتنا فحسب.
ـ لا يا مولاي ! لقد توصلنا لحلين أرجو أن تختار أحدهما…
الأول: ان يتم وضع صف البيادق خلف صف رجال البلاط، ويصبح هو الصف الثاني وليس الأول وبذا لا تكون
له أول خطوة في إشعال فتيل المعركة، وتكون له حماية كافية.
ـ هل جننت؟! لا أستطيع ولا يستطيع أحد أن يغير قوانين وقواعد المعارك! الأمر ليس بيدي… هات الخيار الثاني.
ـ الثاني، أطلب من جلالتكم، وأرجو ألا يفهم طلبي هذا على محمل خاطئ، أرجو طالباً أن تنحني انحناءة شكر وتقدير
لجهود رجال البيادق أمام جماهير القصر.
ـ الآن قد جننت تماماً ! هل فقدت عقلك؟! هل تدرك مسؤولية كلامك؟
ـ أرأيت يا مولاي؟! قد فهمت الامر من منظور خاطئ لم نقصده أبداً في مجموعتنا، وإنا أردنا أن يسود احترام متبادل
بيننا وأن تعود ثقتنا بأنفسنا، وتزداد همتنا بأداء واجبنا.
ـ حسنٌ، سأعلن قراري بعد أن أفكر وأراجع الموضوع أكثر.
في منتصف رقعة الشطرنج، نادى المنادي ليجتمع الجميع أمام رقع القصر، معلناً أن الملك سينحني تقديراً وشكراً لرجال البيادق أمام الشعب.
ووقف الملك على رقعته متوجاً بتاجه الأبيض الثمين وأمامه اصطف صف البيادق والكل التف حول هذا الحدث، يرقب لأول مرة على رقعة الشطرنج تواضع الملك.
حينئذ حاول الملك الانحناء، ولكنه عوضاً عن ذلك سقط، دون أن تنثني فيه زاوية، سقط فوق البيدق الزعيم فأرداه قتيلاً، وطار التاج من على رأس الملك ليقع فوق رأسٍ صغيرٍ لبيدقٍ قريب، فسقط هذا الآخر صريعاً.
ما كان ليستطيع أي حجر شطرنج أن ينحني مهما حاول.
لحظة سقوط الملك والبيادق الاثنين، امتد ظلٌ فوق رقعة الشطرنج، يزحف بالتدريج، حتى استقر فوق الملك، كانت الظل ليد بشرية رفعت الملك الصريع والبيدقين عن الرقعة ورمتهما بعيداً، ووضعت على الفور ملكاً أسوداً مكان الملك القديم، وألبسته التاج الأبيض، وبقي مربعان شاغران لبيدقين أبيضين.
أسامه السلطي
دمشق 2004
قصة جميلة سلمت وسلمت يمينك..
شكرا .. سعدت برأيك