ميثولوجيا ابن الآلهة
“Mithologya Ebn Al-Aliha” a short story by Osama Salti, Damascus 13/3/2005
ميثولوجيا ابن الآلهة
شعرت بالنعاس باكرا هذه الليلة، فوضعت قلمي جانبا وتنحيت الى سريري.. وكان الجميع يتأهبون للنهوض لحظة أغفو.. ينتظرون هذه اللحظة كل النهار، فيخرجون، يلعبون، يتناقشون، يعشقون، وقلما ينتبهون الى رعيتهم ويلتفتون الى احتياجاتهم.
فإله الحواس، من النوع الطائش، ذاك الإله الذي يجازف فيلمس أي شيء، ويتكلم حتى مع الحجارة، وينظر فيرى.
وإلهة الحب، تلك المتنقلة من فراش الى فراش.. جميلة!
وإله الحكمة الوقور.. وإله الخمر.. وإلهة الطعام.
ازدحام الآلهة! يحدث فورا.. يكفي أن أغمض عيني. قد تكون هذه الجمجمة صغيرة لتستوعب عروشهم.. ولكني أشعر دائما بالحدود اللانهائية لجمجمتي. أراها تسع الكون ضمن صندوق صغير، فالشمس تشرق من صدغي لتغرب في صدغي الآخر، والقمر يضيء في قمة رأسي، والمروج التي تمتد انما لا تنتهي بين تلافيف دماغي.
مكان كاف ليتنافس الآلهة ضمنه. فتتعالى كثير من الأحيان أصواتهم لترتد في رأسي، وتغدو مشاجرة.. وربما حفلة!
إله الحواس يقول: سأضم المعدة الى سلطاني، سأجعلها تحس، فلا يكفي احساسها البسيط بالجوع أو الشبع!
فتصرخ إلهة الطعام: ويحك! مالك فيها؟! انها لي، لي وحدي.
ويقول إله الخمر: هه! وأنا لي فيها حق.
فيتراجع إله الحواس قليلا، ويقف منتصبا وبالتفاتة سريعة يسحب سيفه من غمده.. وتتحول المناقشة الى مبارزة، غالبا ما يخسرها!
في ليلة أخرى، ترتمي إلهة الحب بين أذرع الآلهة.. إلهاً.. إلهاً..
فتموت الحواس أمام حرارة عشق إلهها..
وتتشنج المعدة من كثرة قبلات إله الخمر لها.
وتفوح رائحة العشق أينما كان.
ويطرق إله الحكمة كأسه بكأسها ويذهبان في عالم آخر.
وفي كل ليلة كنت أرى الكثير من مواقفهم، بعضها مضحك، وبعضها الآخر مبكٍ.
وخلال أشهر كثيرة، تظهر فضيحة إلهة الحب في بطنها، ويتسارع الآلهة نحوها، كلٌ معجب بالخبر الجديد ومنتظرا بفارغ الصبر ابنه المرتقب.
فإله الحواس صاح فرحا وبدأ يبحث عن اسم للإله الابن.
وإله الحكمة، أغمي عليه لفرط سعادته وبهجته متمنيا أن يحمل الابن رسالته بعده.
وإله الخمر، راح يسبح في نشوته من كثرة شربه، والبسمة لا تفارق وجهه.
وفي ليلة الميلاد.. تُوّج إله جديد في امبراطورية الانسان “أنا”. واحتدت المناقشة والشجار بين الآلهة كلٌ يطالب بابنه. ويظهر الدلائل على أن الطفل الإله هو من صلبه.
” لديه عينان، أذنان، يستطيع الشم والتذوق.. انه ابني بالتأكيد” قال إله الحواس.
” يشرب الخمر! تماما مثلي!” قال إله الخمر.
” يفكر، يحلل، ويستنتج.. انها الحكمة.. هو ابني” قال إله الحكمة.
نسي الجميع أمر الطفل، فكبر، ومشكلة أبوته لم تحل.. وخطايا الآلهة كانت تلاحقه.. أولئك الزنا!
في ليلة.. كبر الطفل الإله كفاية، وأصبح طول صليب خشبي، ثبّت نفسه به.. فصُلب ومسح بدمائه خطايا الآلهة.. وكان هو المخلص.
ولم أعد لأستيقظ بعد هذه الليلة..
أسامه السلطي
دمشق، 13/3/2005