من هنا تبدأ الكوميديا
“Mn Hona Tabda’a Al-Komidya” a short story by Osama Salti, Damascus 3/4/2005
من هنا تبدأ الكوميديا
في مطار العاصمة الدولي، وسط ضجيج الطائرات، كان موظف الجوازات يستقبل السائحين والوافدين إلى البلاد، فيختم جواز هذا ويراجع تصريح الدخول لآخر.
وعند الظهيرة، بدأ يشعر بالملل والحاجة إلى قيلولة. وقتها هبطت طائرة، كانت مناوبته ستنتهي فور انتهائه من ركاب هذه الطائرة.
وبنفس الروتين بدأ باستقبال المسافرين. يأخذ من المسافر جواز سفره، فيقلب صفحاته بحثا عن تصريح الدخول.
“سبب الزيارة” وفي أثناء كلام المسافر يكون قد رفع الختم عاليا ً وهوى به على الصفحات.
ويكرر الطريقة نفسها مع كل مسافر، وجفناه يثقلان وفمه يتثائب بين لحظة وأخرى وبين ختم وآخر.
أيقظته كلمات غريبة قالها شاب ضئيل الجسم، رث الثياب وقف أمامه، كان آخر راكب من الطائرة.لم يفهم الموظف شيئا. سأله عن جواز سفره أو أية وثيقة تثبت شخصيته، لكن الشاب لم يزد على كلامه شيئا واستمر يتحدث بنفس اللغة الغريبة.
أخبر الموظف فورا رئيسه في قسم الأختام والجوازات، والذي أخبر رجال الشرطة فحضرت مسرعة، واقتادت الشاب لضابط الأمن والذي حاول جاهدا اسكات الشاب لكثرة صياحه بلغته.
يئس الضابط من الموقف فاتصل بعناصر الاستخبارات، وتم تحويل الشاب الى غرفةٍ في قبو المطار، مظلمة وتفوح منها رائحة نتنة.
بعد مضي يوم، أتى مترجم من الاستخبارات وبدأ يستفهم من الشاب كل كبيرة وصغيرة، سبب مجيئه، لماذا يصيح وأين جواز سفره.
وبعد ساعة، خرج المترجم من الغرفة فاستوقفه ضابط الأمن وموظفو المطار، فأخبرهم المترجم بقصة الشاب:
” إنه بنغالي من بلاد بعيدة، كان يعيش في جزيرة نائية وفقيرة.. لم يأكل منذ أسبوع، ولم يشرب ماءً عذبا ً منذ شهور.. هُدم بيته ولا يملك مالا ً، أهله مأتوا كلهم بسبب مجاعة هناك…”
وساد صمت حاد.. قطعه المترجم:
” لذا تسلل الشاب إلى مطار دولة مجاورة واستطاع بطريقة ما ركوب الطائرة التابعة لبلادنا، والآن هو يطلب حق اللجوء لبلادنا بأي طريقة ممكنة سواء كان سياسيا ً أم غير ذلك “.
وفتح الجميع أفواههم، صامتين، متعجبين!
” يريد اللجوء إلينا، ما أدراه بدولتنا؟” قال الضابط.
” أعجبه لون علمنا المرسوم على الطائرة!” أجاب المترجم.
وانصرف الجميع، دون أن يفوهوا بكلمة.
في مكتب أمن المطار، انعقد اجتماع طارئ، وبادر الجميع بإعطاء الحلول، ولكن قبل هذا كانوا يتساءلون عن معنى اللجوء السياسي.
” إنه مسكين! لا يملك مالا ولا طعاما.. إنه الفقر! لذلك هو يلجأ إلينا” قال موظف المطار.
” هذا واضح… وهو يعطينا فكرة عامة عن اللجوء، و لكن هل لكم يا زملائي أن تشرحوا لي ما هو اللجوء إلينا؟” قال ضابط من المخابرات.
” أجل.. أجل.. هذا ما أريد معرفته… نحن نسمع عن اللجوء السياسي لدول أوروبا مثلا، وكثير من أبناء بلدنا يلجؤون اليهم. لكنها المرة الأولى التي أسمع بها عن رغبة اللجوء لبلادنا.. هذا غريب!” قال ضابط الأمن.
” أخشى أن يكون مبثوثا ً للتجسس علينا.. لا يعقل أن يلجأ أحد إلى بلدنا.. لم أسمع بهذا قط” قال ضابط رفيع المستوى من المخابرات.
وتكاثفت الأقاويل، وتعددت الآراء. وتحول الاجتماع إلى فوضى، ثم فضّ دون أن يجد أحد منهم حلا ً ما.
ومضت سبعة أيام، والشاب في الغرفة المظلمة، الجوع ما زال يأكله، و الظمأ ينقط له الماء من ماسورة مكسورة فيبقى ساعة ليملأ فمه بالماء المتساقط نقطة نقطة.
أما المخابرات الوطنية، فعقدت اجتماعا ً على مستوى أحزاب البلاد وممثلي القوى الوطنية، لتجد سبباً مقنعا ً وعذرا ً مقبولاً يبرر اللجوء إلى بلادهم.
وتكررت في هذا الاجتماع الجمل والعبارات ذاتها التي ألقيت في الاجتماعات السابقة.
وطبعا ًلم يجد المجتمعون أيّ داع ٍ للجوء. وأقروا في النهاية: ” أن المسألة فيها سر، باعتبار أن هذا الشاب هو أول شخص يطلب اللجوء إلينا”.
في اليوم التاسع، أصدرت قيادة أمنية عالية قرارا ً بمنح الشاب حق اللجوء السياسي..
وهمّ موظفو المطار مع المترجم بإخبار الشاب، وحين فتحوا باب الغرفة المظلمة، وجدوه ملقى على الأرض، يئن بهدوء، حركوه ومددوه على ظهره في وضعية مريحة، وأشربوه كأسا ً من الشاي الساخن.
وقبل أن يخبره المترجم بالقرار، نطق الشاب بلهجة متألمة بضع كلمات من فمه، فاصفر وجه المترجم وأخذ ضابط المطار جانباً يحدثه:
” قال إنه لم يعد يريد علمنا.. فقط أخرجوه من هنا وأعيدوه كي يموت في بلاده!”.
في الصباح التالي، قدّم موظفو المطار وصف ضباط الأمن طلبات لمنحهم حق اللجوء السياسي.
أسامه السلطي
دمشق، 2005/4/3