إلى الحياة
“Ela Al-Hayat” a short story by Osama Salti, Damascus, August 2004
نشرت في موقع سيريا نيوز بتاريخ 26.4.2010
إلى الحـيــــاة !
قبالة نافذة متروسة بالحديد والشِبَاك، حيث للنور حظ قليل من دخول غرفة بيضاء لا تؤي إلا بعض الرجال والشبان وأثاث غريب.
وقف ثلاثة رجال أشداء حول سرير في زاوية الغرفة، يحدقون في آخر مستلق دون حراك أو صوت نَفَس يجري.
” أخشى أنه لن يستيقظ ” قال الأول.
الثاني: لا تخف أظنه سيفتح عينيه قريباً، أنا الطبيب هنا وأعلم أنه سيستيقظ.
الثالث: آمل ذلك.. أيها السائق، ألم تتأخر، يجب أن تحضر ما قاله الطبيب أدوية و …
الأول: …وحقن ومهدئات، سأحضرهم فوراً.
الثاني: حالته نادرة في عالم الطب.. إنه نادرة طبية! هل تعلم أيها المخترع أن لحظة عودة وعيه واستيقاظه تعتبر لحظة ولادة جديدة، سيكون فاقد الذاكرة تماماً.
الثالث: مثلي تماماً، أليس كذلك ؟
الثاني: مثلنا كلنا!
وفي تلك الدقائق بدأ يرى نوراً ضعيفاً جداً، حرك شفتيه ورفع يده إلى صدره.
ـ إنه يستيقظ! سيولد الآن! صاح الثاني فرحاً.
ـ رائع! سأحضر الكاميرا التي اخترعتها لمثل هذه المناسبات، إنها تستحق أن تذكر. قال الثالث.
الأول: هل وُلد ؟ لقد أحضرت الأدوية التي طلبتها أيها الطبيب.
الثاتي: ثوانٍ ويفتح عينيه ويسعل بشدة.
الثالث: سأبدل وضعية السرير، حتى يكون أكثر راحة. سأضع المبدل على الوضعية الثالثة.
الثاني: انتبه قد تؤذيه!
الثالث: ألن تثق بي يوماً ؟! مضى خمس سنوات منذ أن ولدت أنا في هذه الغرفة وعلى هذا السرير.
أنت تعرفني منذ تلك اللحظة، ومازلت تشكك في كل أعمالي واختراعاتي، هذا السرير مثلاً وضعت في مكننته أفضل ما توصلت إليه علوم اليوم من الكهرباء والقطع المتحركة. يجب أن تثق بإنجازاتي، أرجو ذلك.
الأول: كفى كلاماً. أظنه حرك شفتيه.
كانت آلام فظيعة تشتت حركته كلما همّ برفع يده أو جفنه أو تمتمة يخرجها من بين شفاهه.
ولكنه فجأة أخذ يسعل ويسعل دون توقف، صُبغ رأسه بلون أحمر، بعد أن اتكئ على جنبه قليلاً.
الاول: سأسقيه بعض الماء.
الثاني: لا مانع..
شرب الماء، شرب كثيراً وأسند رأسه على الوسادة محملقاً بالسقف الأبيض والرجال الثلاثة والضوء الخافت.
ـ أين أنا ؟ كيف وصلت إلى هنا ؟
الثاني: مرحباً بك في الدنيا ! لقد ولدت للتو، فأهلاً وسهلاً بك بيننا.
ـ من أنتم ؟ قالها وقد عقد جبينه وبلع لعابه.
ـ نحن سكان هذه الدنيا، نحن ناسها… قالها الأول بهدوء.
ـ عمرك قد بدأ الآن، أي أن لك من العمر حتى هذه اللحظة أربع دقائق. قال الثاني.
الثالث: أما أنا فلي خمس سنوات.
الأول: عمري سنتان ونصف.
الثاني: أما أنا فأكبرهم سناً، ست سنوات وسبعة أشهر.
بدأ فيض الكلمات بالتدفق في رأسه.. وتوضحت بعض الكلمات التي قالها الرجال.
انتصب ظهره وجعل ينزل قدميه الأولى تلو الأخرى من على السرير.
ـ إذاً هذه الدنيا، أذكر هذه الكلمة جيداً .. أين كنت قبل هذه اللحظة ؟ من أنا؟ ماذا أفعل هنا ؟ هل أنام ؟
الثاني: لا يا صديقي .. لن تنام كثيراً بعد الآن .. عليك أن تعمل.
ـ أعمل ماذا ؟
الأول: أية مهنة. أي عمل .. المهم أن تعمل.
الثاني: السائق هو هذا الرجل (مشيراً إلى الأول) كما ترى يرتدي قميصاً أبيضاً طويلاً يصل إلى ركبتيه ويحمل سماعة حول رقبته، وعمله أن يوصل الناس بسيارته هذه (مشيراً إلى مقعدٍ مزدوج) .
الثالث: أما الطبيب فهو هذا الرجل (مشيراً إلى الثاني) فهو يرتدي سروالاً أزرقاً يحوي الكثير من الجيب، وسترة زرقاء طويلة. ويحمل بيده مفكاً ومطرقة، ومهنته أن يعالج الناس ويعطيهم أدوية وحقناً لشفائهم.
الأول: أما المخترع فهو هذا الرجل (مشيراً إلى الثالث) فهو يرتدي بزة سوداء ذي أزرار ذهبية براقة ويضع قبعة سوداء. مهنته أن يَدرُس ويجرب ويصنع كل شيء مفيد وجديد. وهذه الكاميرا هي اختراعه الجديد (مشيراً الى صندوق فارغ) .
ـ هذه الدنيا إذاً!
قبالة نافذة حافتها مزروعة بأزهار صغيرة، حيث للنور حظٌ وفير من دخول غرفة مريحة، لا تؤي إلا رجلان في قمصان بيضاء طويلة إلى الركبة، يحملون سماعات حول أعناقهم، وأثاث ومكتب ومكتبة وإناء زهور، وقف الرجلان حول كرسي كبير يتمدد عليه رجل هزيل الجسم.
الأول: هل ستدخله إلى الغرفة الآن ؟
الثاني: وهل تحوي شاغراً ؟ كم مريضاً لديك في تلك الغرفة ؟
الأول: أربعة مرضى، أحدهم تجاوز الست سنوات في مرضه والآخر سنتان ونصف، وآخر خمس سنوات، والأخير دخل قبل نصف ساعة فقط.
الثاني: أدخله الآن إذاً .. لا داعي لبقائه هنا، أظنه سيرتاح في الداخل.
أسامه السلطي
دمشق، 8/2004