العقرب الذي هزمني
“Al-Aqrab Allazi Hazamani” a short story by Osama Salti, Damascus 4/3/2005
نشرت في موقع سيريا نيوز بتاريخ 17.4.2010
العقرب الذي هزمني
في مساءٍ قمري، اقترب من عرشي الصغير، وصار يتهادى قرب قدمي، باحثاً عن مكان مكشوف من جسدي، ليداعبه بإبرة صغيرة تتدلى من نهاية جدولة شقراء بلون جلده القاسي.
كنت أراقبه كثيرا، رغم أنه لم تستهوني أية عقارب قبل الآن بقدر ما شد هذا العقرب الصغير انتباهي.
جسم متجانس نحيل، وملاقط تسبق جسمه، تمتد وكأنه أعمى يستدل بهما، أو علّه، يتضرع كثيرا للسماء أن ترمي له قطعة لحم..
صرت أرمي له قطع خبز، فأتودد اليه أكثر. لكنه حالما تركها ولم يعد يقرب منها، فوضعت أمامه بقايا بيض مسلوق، فتناولها بشهية.
أصبح العقرب الصغير يأتي كل ليلة عند قدمي، يأكل ويأكل وكاد أن ينهش لحمي لولا أن حملته بيدي، ولم يلمسني بإبرته أبداً. فتشجعت أكثر وجعلته يمشي على فخذي.. يا له من شعور! تلك الأرجل الدقيقة تدغدغ حتى أصغر شعيرات جسمي!
وحين نام في سريري، كنت أغطيه بمنديل قماشي، ذلك الصغير يحتاج الى النوم، لم أكن أستطيع رؤية عينيه، إلا بعد أن تحول إلى امرأة! فكان له تلك العينان الأنثويتان، الشقراوتان، وجفنان أكبر من ذاك المنديل! كان وجهه عديم الملامح فبات له وجنتان عاليتان تنسابان بنعومة، وظهر له أنف بنت صغيرة، لا أجد له كلمات تصفه!
وكبر فمه، شفتان للابتسام فقط! لم تكونا غليظتين ولا حتى دقيقتين، كانتا بين بين.
الجلد القاسي اختفى، وظهر جلد ناعم، لونه أبيض.
وشعر.. شعر طويل.. أشقر.. كان مجدولاً، جدلة محكمة طويلة.
طار بنا السرير عالياً الى السماء، فكانت الأنثى عطراً وكنت أنا غيماً.. ساقتني الأحلام الى حضنها، سماوية أنتِ، أنثى أنتِ.. لم تتكلم.. بل عبثت بشعري وتجولت في عيناي.
وعدنا سريعا، وغابت من تحت الباب كعقرب صغير..
وليلة بعد ليلة.. فكانت ألف ليلة! تجاورني كوسادتي، فأغيب حتى الموت غارقاً في حب وسادتي!
ألف ليلة، وليلة أخيرة، سحبتني عيناها لأرى فيهما عقرباً أشقر صغير، نحيل الجسم، وبإبرة صغيرة تتدلى من نهاية جدولة شقراء بلون جلده القاسي كان يداعب قدم رجلٍ يجلس على عرشه الصغير. فيطعمه الرجل فتات الخبز، وقطع البيض المسلوق، فيصير العقرب عينان داخل تلك العيون التي تجادلني..
عندما نهضتْ من السرير، وارتدت فستانها الأسود، شعرتُ أنها تشبه فينوس، بملامحها وانتصابتها الأنثوية الملتوية. وكانت تلتفت إليّ وهي تخرج من الغرفة، شعرتُ أنها تشبه حواء، لأنها كانت الأنثى الأولى على الأرض.
قالوا لي: العقرب هو الخاسر.
فقلت: وما كسبت أنا؟ وما الذي لم أخسره؟!
كل هذه السنين، عبر ألف ليلة وليلة، لم ألاحظ قط أن نهاية جدولة شعرها كانت تنتهي بإبرة صغيرة!
أسامه السلطي
دمشق، 4/3/2005
السلام عليكم
قصة جميلة ووتعابيرها الادبية جيدة
والاهم
ان هذا العقرب الصغير… بجديلته الشقراء الطويلة …والمنتهية بالابرة الصغيرة .. لم يستخدم ابرته القاتلة تلك
فالعقارب ذات الجديلة الشقراء او السوداء او الحمراء او مهما كانت لونها
لا تستخدم ابرها ان لم يقم احد باغضابها !!!
جميلة شكرا لك
تقبل مروري و دمتم بخير
لفتة حلوة منك.. ويبقى العقرب عقرباً والأنثى أنثى، لكن العاطفة هي من تتحول وتتخذ إبراً وسموماً.. وأحياناً تتخذ الجنة مسكناً والعقرب يختفي أبداً.. هي حالنا المتبدلة دوماً، وعواطفنا المتغيرة، وهذه القصة هي من القدم، وأيامي الحاضرة، شكراً لله، خالية من العقارب!!
شكرا لمرورك وتعليقك